Abstract:
نحاول في هذه الدراسة معالجة موضوع الساكنة والسكن في عمالة وهران خلال فترة الاحتلال من 1870إلى 1939، وهو من الموضوعات التي تعالج جزءا من تاريخ الجزائر الحديث بكل تفاصيله، فهو يدرس رقعة جغرافية مهمة عرفت نشاطاً مكثفاً في مجال التعمير الأوروبي وكشفت واقع المنطقة من حيث سكانها ونسيجها العمراني ونشاطها الاقتصادي وحركتها السياسية والثقافية ومكانتها ضمن الاستراتيجية الاستعمارية، حيث تعتبر موانئها أهم موانئ الجزائر بحكم قربها من فرنسا خاصة مدينة مارسيليا (MARSEILLE)التي لا تبعد عنها إلا بــــــ ( 990.48كلم)، وتتجلى أهميتها في النضال السياسي والعمل الثوري بعد تفجير الثورة.
حازت التحولات العمرانية في الجزائر خلال فترة الاحتلال اهتمام العديد من الدارسين، ومع ذلك لم تأخذ حقها من الدراسة والتمحيص، فالعديد من الباحثين تناولوها بوجهات مختلفة بعيدة عن علاقتها بالاحتلال وتأثيرها على المجتمعات. إن للمدن دوراً في إحداث تغيرات عامة على المجتمع، فهي تعكس حقيقته المادية والمعنوية، ولهذا نجد الاحتلال الاستيطاني يبادر إلى إفراغ المدن من سكانها وتوطين سكان جدد مع توفير الشروط المناسبة لهم؛ للعيش بما يناسب بيئتهم الاجتماعية.
لقد حدث انفصال بين المدن في الجزائر في مرحلة الاحتلال عن بيئتها وأصالتها، وارتبطت أكثر فأكثر بمتطلبات الساكنة الأوروبية، فقد عرفت المدن تحديثاً مفروضاً، عكس سياسة الاحتلال مما أدى إلى تغيير في مورفولوجية المدينة المرتبطة بعادات وتقاليد المجتمع الجزائري، فقد أسهم الجيش بوضع مخططات لمدن حديثة، ووسع في محيطها الجغرافي، وغير وجه المدن القديمة، وأنشأ قرى استيطانية محصنة لصالح المستوطنين.
ولفهم الموضوع ارتأينا الاعتماد على الإشكالية الآتية: ما علاقة الساكنة المحلية بالتخطيط العمراني قبل الاحتلال؟ وكيف أثرت الحركة الاستيطانية على حركة التعمير في المدينة والريف في العمالة؟ وكيف اُسْتُخْدِم العمران كوسيلة لمحاصرة الجزائريين خلال الفترة المدروسة؟
أجمع العديد من المؤرخين الفرنسيين على غياب المدن في الجزائر بحكم حالة البداوة والتنقل الدائم في المجتمع الجزائري، غير أن المخلفات الأثرية للحواضر الكبرى أكدت وجود عمران محلي يتناسب مع طبيعة المجتمع الجزائري، فالنمط المعيشي استلزم نوعين من السكن: ارتبط الأول بحياة البداوة والتنقل، أما الثاني فتناسب والنشاط الحرفي والتجارة، فأقيمت القرى والمدن التي تضمن الراحة والاستقرار لساكنيها، وسيطر الفرنسيون بعد الاحتلال على هذا الفضاء وأدخلوا عليه تغيرات ارتبطت بنمط معيشتهم، وعملوا على مد التجمعات السكانية إلى المناطق الداخلية نتيجة ارتفاع عدد السكان وانتشار النشاط الزراعي في الداخل، وفي هذا الإطار سيدور موضوع دراستي المعنونة بــــــ" الساكنة والسكن في عمالة وهران أثناء الاحتلال الفرنسي".
قبل التحدث في هذا الموضوع ارتأينا أنه من الضروري تعريف مصطلح العمالة؛ لأنه مصطلح سياسي جديد اُستحدث مع الاحتلال، فهو مصطلح فرنسي يقصد به المحافظة أو الولاية، ارتبط بالتقسيم الإداري الذي طبقته فرنسا سنة 1870 بعد أن أصبح النظام المدني ساري المفعول في الجزائر بدل العسكري، فقُسِّمت الجزائر إلى ثلاث عمالات وهي: عمالة الجزائر، عمالة وهران وعمالة قسنطينة، تقع عمالة وهران بالجهة الغربية من دولة الجزائر، وهي على الحدود مع دولة المغرب، كانت أكثر العمالات استقطاباً للمستوطنين بسبب طبيعة المناخ والإمكانيات الطبيعية المتنوعة خاصة الزراعية، ولهذا فقد شهدت تغييراً جذرياً نتيجة تمكنهم من السيطرة المطلقة على المنطقة .
اختلفت أنماط معيشة السكان في الجزائر من منطقة لأخرى ومع اختلافها اختلاف نمط السكن، ومع تباينها إلا أنها كانت تصب في غالبيتها في النمط البربري العربي الإسلامي، مع الأخذ بعين الاعتبار التغيرات التي طرأت عليها بفعل التعاقب الحضاري الذي عرفته منطقة شمال إفريقيا والتي تركت إرهاصات حضارية مختلفة وأنماط سكنية متباينة (1) .