Abstract:
يحظى المجال الواحاتي في موريتانيا بأهمية حضارية واقتصادية واجتماعية بارزة، وقديمًا نشأت بواكير المدن القديمة والمراكز العمرانية حول الواحات، وأسهمت في ازدهار العديد من الأنشطة الاقتصادية والثقافية بين إفريقيا شمال الصحراء وجنوبها؛ وبدوره أسهم عامل المناخ الصحراوي الذي اتسمت به صحاري موريتانيا ومنطقة آدرار خصوصا في تزايد اعتماد السكان في عيشهم واستقرارهم على تلك الواحات، بيد أن تذبذب التساقطات المطرية المترتبة عن التغيرات المناخية الحديثة أثرت على المجال الموريتاني فأصبح يرزح تحت وطأة تحولات بيئية وبشرية عميقة، طبعت انعكست نتائجها على أنشطة الإنسان الاقتصادية وعلى المشاهد الطبيعية على حد سواء، وتعتبر المجالات الواحاتية والأنشطة الاقتصادية المرتبطة بها أبرز العناصر تأثرًا بهذه التحولات، خاصة تلك الموجودة منها في ولاية "آدرار".
وسنحاول في هذه المقال تسليط الضوء على أبرز مظاهر وانعكاسات التغيرات المناخية، وما ارتبط بها من هجرة ونزوح لدى السكان، على مستوى واحات ولاية آدرار التي تعتبر مثالاً مهماً، وقد اعتمدنا لدراسة تلك التغيرات، تحليل قاعدة بيانات مناخية لفترة مرجعية معتبرة، ممتدة بين سنتي 1940 و2019. أما فيما يخص البينات المتعلقة بالهجرة والسكان فقد اعتمدنا نتائج التعددات العامة للسكان والمساكن، الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاء والمتعلقة بسنوات (1988، 2000، 2013، 2023).
وقد اتضح من خلال معالجة موضوع الدراسة أبرز مظاهر وانعكاسات التغيرات المناخية على الواحات في ولاية آدرار؛ وما نتج عنها من تتال لموجات الجفاف، وتزايد لظروف التصحر، وهجرة لليد العاملة نحو المراكز الحضرية؛ في ظل ضعف عوامل جذب واستقرار اليد العاملة، وتواضع ظروف المعيشة، ونقص البنى التحتية والخدمات الاجتماعية لسكان الواحات؛ ما أسهم بمجمله في تدهور الواحات في الولاية بشكل عام.