Abstract:
يهدفُ هذا البحثُ إلى تأصيل قانونٍ جنائيٍّ لا يؤاخذ فيه الفرد إلا على الإثم، ولا شيءٍ غير الإثم، وهذا ما يدفعنا للقولِ بأنَّ وجود المسؤولية المادية في قانون العقوبات بهذا الشكل، يشيرُ إلى خللٍ واضحٍ في السياسة العقابية للمشرِّع الليبي، مما يعكسُ عودة ألّا واعية لعصورِ ما قبل التاريخ في تقرير أحكام المسؤولية عن الجرائم الخطئية، وهو ما يشكِّلُ انتهاكً للمبادي العامة التي تقوم عليها فلسفة العقوبة في هذا التشريع.
وقد يبدو ذلك واضحا من خلال التقلص الملحوظ لدور الإثم الجنائي الذي تتصف به إرادة الجاني أمام النتيجة المادية، التي تعد أساس العقاب عن هذه الجرائم، مما يدل وبشكلٍ صريح على تبني المشرع لأفكار المذهب الموضوعي في السياسة العقابية التي يتبناها ولو بشكل جزئي.
وذلك ما يفسر تركيزنا على دراسة المحتوى القانوني للنتيجة في هذه الجرائم والسببية المادية المتصلة بها، كما اوجبت الضرورة أن نسلّط الضوءَ على التطبيقات العملية التي تشكل أوسع نطاق لها من خلال المسؤولية الناشئة عن الأخطاء الطبية، وأحكام قانون القصاص والدية، سعياً منا للوصول إلى أفضل الحلول لهذه المشكلة حتى لا تخرج العقوبة على مسارها الذي يدور بين فكرتي النفع والعدالة.