Abstract:
ارتبط مصطلح الاستشراق في الثقافة الشرقية عموماً والعربية بشكل خاص بالمستعمر الأوربي وأطماعه في المنطقة ، فأصبح المصطلح عند ذكره يستدعي بالضرورة كل ما يرتبط بالاستعمار من ظلم وقهر واغتصاب للحقوق .
هذا الربط الذي حصل بين الاستشراق وبين الاستعمار الأوربي الحديث لم يأت عبثاً ، إنما كان عن تجربة مريرة عانى منها الشرق والشرقيون ، عرباً ومسلمين على حد سواء ، وذلك عندما يتذكرون الماضي الاستعماري وخصوصاً لدول بعينها .
ولكن هل المدارس الاستشراقية الأوربية التي لم تكن على تماس مباشر مع الشرق ، عبر الغزو كالمدرسة الألمانية كان منطلقها سلكت نفس السلوك ؟
هذا هو بالضبط ما تحاول هذه الورقة البحثية الإجابة عنه ، وذلك من خلال تسليط الضوء على مدرسة استشراقية تبدو بعيدة بعض الشيء عن بلاد العرب والمسلمين ، سواء من حيث الجغرافيا ، أو من حيث أن المنطلقات التي تبدو غير متأثرة بالسياسة وألاعيبها .
في هذ الورقة تم استعراض بدايات الاستشراق الألماني ، وأهم المستشرقين الذين أثرت أعمالهم فيمن جاء بعدهم من دارسي الشرقيات ، مثل بروكلمان KBrockelmann ، وهونكه Hunke، وأهم أعمالهم التي انتشرت وترجمت للغات أخرى ، ككتاب تاريخ الأدب العربي ، وكتاب شمس العرب تسطع على الغرب .
من أهم النتائج التي توصل إليها الباحث ، مساهمة المستشرقين عموماً والألمان منهم بشكل خاص ، في تحقيق عدد كبير جداً من المخطوطات والكتب العربية القديمة التي ساهمت في لفت أنظار المثقفين والأكاديميين العرب فيما بعد ، للالتفات لتحقيق هذا التراث الذي ضاع منه الكثير ، سواء بالرمي في المياه ، كما حدث بعد اجتياح المغول لمدينة بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية ، أو بالحرق كما حصل بعد طرد المسلمين من الأندلس ، أو بالسرقة التي بسببها وجد الكثير منها في متاحف أوروبا اليوم .
من نتائج البحث كذلك أنه يحسب للاستشراق الأوروبي أيضا ظهور عدد من الموسوعات التي تعنى بالدرس الاستشراقي ، هذه الموسوعات وإن كانت تجانب الحقيقة في المواضيع التي تطرحها في أحايين كثيرة ، إلا أنها عملت على إجراء دراسات وبحوث هامة ساهمت في تسليط الضوء على كثير من القضايا العلمية التي كان لعلماء العرب والمسلمين دور في تطورها ، وإزالة الصورة النمطية المترسخة في عقول بعض الغربيين عن أولئك العلماء في أن دورهم ينحصر في نقل علوم الإغريق لأوروبا ، دون إحداث أي تغيير أو تطوير على هذه العلوم .