Abstract:
يُعُدُّ مُعجم تهذيب اللغة لصاحبه أبي مَنْصور الأزْهَريّ علامة فارقة في التأليف المعجميّ وبداية لمرحلة جديدة فيه، وما كان ذلك لغزارة المادّة اللغويّة وتنوعها فحسب؛ ولكن لإتباعه منهجًا مختلفًا في تأليف معجمه؛ حيثُ اعتمد كثرة الاستشهاد على الموادّ التي يرويها-فضلاً عن كلام العرب وأشعارها-بالقراءات القرآنيّة، والأحاديث النبويّة، والأخبار المرويّة، ممّا لمْ تألفه المعجمات من قبلُ، وكان مثارَ جدل بين أغلب علماء اللغة في ذلك الوقت.
وكان الأزهريّ ممّن بَرزَ- إلى جانب جمع اللغة وتدوينها- في طلب الحديث وروايته، فعُرف بأنّه لغويّ مُحدِّث له سماع للحديث النبويّ عن عدد من أعلام محدّثي عصره، وأنّه من رواته الذين أثنى عليهم العلماء ووثّقوا رواياتهم.
الأمر الذي طرح في نفسي سؤالاً عن أثر معرفة اللغويّ بالعلوم الأخرى على منهجه في التأليف، وبخاصّة إذا ما خالف ذلك المنهج ما كان سائدًا في عصره. وللإجابة عن هذا السؤال كان لابدّ من تتبع تلك الروايات في مظانّها، فظهرت فكرة هذا البحث الذي يتناول دراسةً وتحليلاً مرويات الأزهريّ من الحديث النبويّ في كتابة تهذيب اللغة، مع مقارنتها بروايات كتب الحديث ومصنّفاته، في محاولة لمعرفة منهج الأزهريّ في استشهاده بالحديث في معجمه، وبيان أثر رواية الحديث، ومعرفته بعلومه ومصطلحه على الاحتجاج به، وهل اختلف احتجاجه به وفقاً لذلك أم لا؟
وقد توصّلت الدراسة إلى نتيجة مفادها أنّ لمعرفة الأزهريّ بمصطلح الحديث وروايته إياه مسندًا أثرًا كبيرًا على منهجه؛ فاتخذه أساسًا للاحتجاج به على اللغة في كثير من قضاياه التي يعرض لها، وإن لم يختلف اعتماده عليه باختلاف درجة الحديث، فالحديث حاضر عنده في كل موضع ومسألة لغويّة كانت أم صرفيّة أم نحويّة.